ماكس فيبر : الدولة والعنف
ما الذي نقصده بالسياسة؟
إن المفهوم شائع جداً ويضم جميع أنواع الأنشطة الإدارية المستقلة. نتحدث عن سياسة العملات لبنك معين، وعن سياسة نقابة إبان إضراب معين، ويكننا أيضا الحديث عن سياسة مدرسية لجماعة حضرية أو قروية، وعن سياسة لجنة تدبير جمعية، وأخيرا عن سياسة امرأة فطنة تبحث عن كيفية تسيير أمور زوجها. لن نقدم بطبيعة الحال معنى بهذه الشاعة لمفهوم سيستعمل كقاعدة لتأملاتنا. نقصد بالسياسة على وجه التحديد إدارة التجمع السياسي الذي نسميه اليوم ب»الدولة«، أوالتأثير الممارس على هذه الإدارة.
ولكن ما المقصود بتجمع سياسي من الناحية السوسيولوجية؟ ما هي الدولة؟ لا يكن تعريف الدولة سوسيولوجيا عبر محتوى ما تقوم به. لا توجد تقريبا أية مهمة لا يهتم بها تجمع سياسي معين في يوم ما. ومن جهة أخرى، لا توجد مهام انتمت دائما على الأقل بشكل حصري للتجمعات السياسية التي نسميها اليوم بالدول، أو التي وجدت تاريخيا قبل الدولة الحديثة. إن هذا المفهوم لا يقبل التعريف سوسيولوجياً إلا عبر وسيلة خاصة تميزه، مثلما تميز كل تجمع سياسي، والمتمثلة في العنف المادي.
قال تروتسكي ذات يوم -في برست لتوفسك “إن كل دولة تقوم على العنف”. وهذا القول صحيح بالفعل، فلولم توجد إلا بنيات اجتماعية خالية من العنف، لكان مفهوم الدولة قد اختفى، ولن يبقى إلا ما نسميه بالمعنى الدقيق للكلمة ” الفوضى”. ليس العنف بطبيعة الحال هو الوسيلة الوحيدة المعتادة للدولة، هذا أمر لا جدال فيه، ولكن يبقى العنف هو وسيلتها الخاصة. إن العلاقة ما بين الدولة والعنف، في أيامنا هذه، علاقة حميمية بشكل خاص. فمنذ القديم اعتبرت التجمعات السياسية المتنوعة، ابتداء من الأقارب، العنف المادي كوسيلة عادية للسلطة. وعلى العكس من ذلك، يجب تصور الدولة المعاصرة كجماعة إنسانية تطالب.في حدود مجال ترابي محدد علما بأن مفهوم المجال الترابي هو أحد مميزاتها-باحتكار العنف المادي الرمزي لحسابها الخاص، وتفعل ذلك بكل نجاح. فما ييز بالفعل عصرنا هو أنه لا يخول لكل الجماعات السياسية أو للأفراد حق استعمال العنف إلا في حدود ما تسمح به الدولة : وهكذا تصبح الدولة المنبع الوحيد “للحق” في استعمال العنف ، وكنتيجة لذلك، نقصد بالسياسة مجموع الجهود المبذولة بغية المشاركة في السلطة أو التأثير على اقتسامها، سواء ما بين الدول أو ما بين مختلف التجمعات داخل نفس الدولة.