( نُشر هذا التقرير الخاص بعنوان ( U.S.–Israel Strategy: From Special Relationship to Strategic Partnership, 2029–2047) على موقع مؤسسة Heritage ويظهر من صيغة إشهار هذا التقرير على موقع المؤسسة، المعروفة كإحدى أهم مراكز الدراسات \ Think Tank اليمنيّة المحافظة في الولايات المتحدة الأمريكيّة، أن المؤسسة تولي هذه التقرير – والذي هو واقعيّاً أقرب لأن يكون مخطط عمل واستراتيجية دبلوماسيّة\سياسيّة منه إلى تقرير بحثي- أهميّة خاصة لعلها تتعلق بالمستقبل، إذ أنّ التقرير يرسم ملامح ويبرر ضرورات الشراكة الإسترتيجيّة الأمريكية الإسرائيليّة في المستقبل ولأكثر من عقدين 2029-2047 و من هنا جاء اهتمامنا الخاص به. نقدمّه هنا في ترجمة كاملة © للقاريء العربي، مع ملاحظة أنّ العناوين الفرعيّة هي ذاتها كما كانت في النسخة الأصليّة للتقرير ، ومع أنذنا حاولنا المحافظة على صيغة التشديدات و العنواين الفرعيّة كصيغتها في النص الأصلي إلا أنّنا إرتأينا إضافة بعض التشديدات في متن الموضوع للأهميّة ) ننصح قبل مواصلة الموضوع الإطلاع على هذه المادة القصيرة : أهم الاتفاقيات والتشريعات الرسميّة بين الولايات المتحدة وإسرائيل (1948-2025)
الإستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية: من علاقة متميزة إلى الشراكة الاستراتيجيّة (2029-2047)
تتجذر العلاقة المتميزة بين الولايات المتحدة وإسرائيل في مذكرة التفاهم العشرية للتمويل العسكري الأجنبي التي صيغت في عهد الرئيس رونالد ريغان، والتي شملت عدداً من العناصر الحيوية لهذا التحالف.
إذ ساعدت مذكرة التفاهم إسرائيل على اكتساب القدرات الدفاعيّة اللازمة للدفاع عن نفسها، بينما وفرت للولايات المتحدة شريكًا إقليميًا عسكريًا وأمنيًا واستخباراتيًا رئيساً، كما أصبحت مجالات مثل التعاون التكنولوجي والتجارة كما عززت من دور القيم المشتركة في التفاعل بين البلدين.
شهدت البيئة الأمنية الإقليمية (في الشرق الأوسط ) تغيرات جذرية، أبرزها توقيع الاتفاقيات الإبراهيميّة في عام 2020 وهجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، والذي أدى إلى تغيير الديناميكيات الجيوسياسية في الشرق الأوسط. كما التغيرات العالميّة كمواجهة الولايات المتحدة حربًا طاحنة في أوروبا وتهديدًا متصاعدًا في شرق آسيا، مما يزحزح مركزيّة الشرق من جهتي الموارد والاهتمام. وفي الوقت ذاته، بينما تستعد إسرائيل الحديثة للاحتفال بالذكرى الثمانين لتأسيسها في عام 2028، لم تعد الدولة اليهودية تجربة معزولة ومحاصرة في منطقة معادية؛ بل أصبحت واحدة من أقوى الدول الشابة وأكثرها نجاحًا على مستوى العالم.
وفي ظل هذه الديناميكيات والقيود والأولويات الجديدة، ينبغي للولايات المتحدة أن تستغل فرصة انتهاء مذكرة التفاهم الحالية والتي تنتهي في السنة المالية 2028 لتشكيل علاقة جديدة مع دولة إسرائيل تعزّز وتوسع الروابط الثنائية من مجرد متلقٍ للمعونة الأمنية إلى شراكة استراتيجية واقعيّة. و هذا النوع من العلاقات تحافظ عليه الولايات المتحدة مع حلفائها الأقرب والأكثر ثقة، مثل المملكة المتحدة، حيث تعكس هذه الشراكة قدرة الشريك على تقديم قيمة عسكرية واقتصادية وثقافية فريدة للولايات المتحدة، كما أنها ترسل رسالة واضحة إلى أعداء هذه الشراكة بأن كلا البلدين لهما مصلحة مشتركة في العمل معًا لمواجهة التحديات الاستراتيجية.
ولتحقيق هذه الشراكة الاستراتيجية مع القدس (هكذا في النص)، يجب على واشنطن أن تعمل بجد لتغيير الوضع الجيوسياسي لإسرائيل داخل المنطقة، ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال مسارين: إنشاء وتعزيز الروابط الأمنية والتجارية بين الدولة اليهودية وجيرانها العرب، وإنهاء اعتماد إسرائيل على التمويل العسكري الأمريكي.
ولدعم أمن إسرائيل، ينبغي للولايات المتحدة السعي إلى إعادة هيكلة إقليمية جديدة تجمع إسرائيل في تناغم أمني أوثق مع الدول العربية المتحالفة مع الغرب، وهو التصور ذاته للرئيس دونالد ترامب خلال ولايته الأولى.
كان التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط (MESA) مثالاً على إطار العمل المناسب، إذ كان يهدف إلى إقامة شراكة أمنية بين دول مجلس التعاون الخليجي-البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة-ومصر والأردن، وينبغي إعادة إحياء هذا التحالف، مع بعض التعديلات، بما في ذلك إدراج إسرائيل بدايةً.
ولتعزيز الروابط التجارية لإسرائيل مع المنطقة، ينبغي للولايات المتحدة توسيع الاتفاقيات الإبراهيميّة، والتي هي أولى اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وجيرانها ذوي الأغلبية المسلمة منذ ربع قرن وستخلق العلاقات الرسميّة والعامة بين إسرائيل والسعودية ودول أخرى غير شرق أوسطية، مثل إندونيسيا، أسواقًا جديدة للسلع والتكنولوجيا الإسرائيلية. وستجد الدول الأعضاء سبلًا جديدة للتجارة والتعاون في مجال الطاقة، مما يخلق تقاربًا في المصالح بين إسرائيل والعالم الإسلامي يعتمد على الازدهار\النمو المتبادل.
و تطوير وتعزيز الروابط الأمنية والتجارية لإسرائيل مع الشركاء الإقليميين سيعمل – بدعم من ضمانات الولايات المتحدة- على تغيير الوضع الجيو-استراتيجي لإسرائيل بشكل جذري، إذ لن تظل معزولة ومتروكة لمواجهة التهديدات على حدودها أو تلك القادمة من أمكنة اخرى. فبدلاً عزلة إسرائيل وبوجود الاتفاقيات والبنية التحتية اللازمة فضلاً عن المصلحة المشتركة ستكون ( أي إسرائيل ) جزءًا لا يتجزأ من نموذج أمني وتجاري إقليمي جديد في مواجهة التهديدات المشتركة مما يضمن الاستقرار.
في هذا النموذج الجديد، يمكن لإسرائيل أن تتحمل تدريجيًا كلفة إنهاء علاقتها بالتمويل العسكري من الولايات المتحدة، فلقد كانت إسرائيل تتلقى مبالغ كبيرة من المساعدات المالية من الولايات المتحدة، حيث تعرضت لهجمات متكررة في عقودها الأولى واعتمدت نموذجًا اقتصاديًا اشتراكيًا، ومن عام 1948 إلى 2019، قدمت الولايات المتحدة أكثر من 34 مليار دولار كمساعدات اقتصادية، بلغت هذه المساعدات ذروتها بقيمة 1.95 مليار دولار في عام 1985، وهو العام نفسه الذي وقّعت فيه الولايات المتحدة وإسرائيل اتفاقية التجارة الحرة. وبمرور الوقت، جعل النجاح الاقتصادي لإسرائيل الدولة اليهودية أقل اعتمادًا على هذه المساعدات؛ إذ توقفت إسرائيل عن تلقي معظم المساعدات الاقتصادية في عام 2007. وكما تقدمت إسرائيل في السابق من متلقٍ للمساعدات المالية إلى شريك اقتصادي للولايات المتحدة، ينبغي (اليوم) أن تنتقل أيضًا من متلقٍ للتمويل العسكري إلى شريك أمني.
على الولايات المتحدة – من عام 2029 إلى عام 2047- أن تحول تمويلها العسكري لتزويد الأسلحة، إلى مبيعات عسكرية مباشرة لإسرائيل. وبهذا ستكون إسرائيل حينها في وضع يمكنها من الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيسها في عام 2048 كشريك مستقل وكامل للولايات المتحدة. وستضمن زيادة الاستثمار المتزامن مع الإنفاق في البرامج التعاونية، استمرار توسيع الروابط بين القاعدة الصناعية الدفاعية للولايات المتحدة وإسرائيل. وفي نهاية المطاف، إنّ نقل إسرائيل إلى شراكة استراتيجيّة مع الولايات المتحدة، والتي تتطلب إنشاء نماذج أمنية وتجارية جديدة في الشرق الأوسط تمكّن لإسرائيل سيطرة أكبر على أمنها، مما يضمن أن يكون القرن الثاني للدولة اليهودية بأيدي الإسرائيليين أنفسهم.
عطفاُ على ذلك، ينبغي للولايات المتحدة إعادة تقييم عناصر أخرى من العلاقة الثنائية لمواءمة القدرات مع الأولويات بشكل أكبر لصالح المصالح المشتركة للولايات المتحدة وإسرائيل التي يجب أن تزدهر خلال هذا القرن. ولهذا، يوضح هذا التقرير الخاص توصيات للتعاون في مجالات الدفاع والأمن، والاقتصاد، والتجارة والتكنولوجيا، والفضاءات الدبلوماسية والسياسية.
الإطار الاستراتيجي
تعد العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية واحدة من أكثر الشراكات الحيوية استراتيجيّةً للولايات المتحدة، حيث ترتكز على القيم الديمقراطية المشتركة، والتحديات الإقليمية المتماثلة، والالتزام طويل الأمد بتعزيز التعاون في المجالات الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية والتكنولوجية.
العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية، القيم المشتركة والرؤية : تُعد العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل واحدة من أكثر الشراكات الاستراتيجية حيوية بالنسبة للولايات المتحدة، حيث ترتكز على القيم الديمقراطية المشتركة، والتهديدات الإقليمية المشتركة، والالتزام الممتد لعقود بتعميق التعاون في مجالات الأمن، والاقتصاد، والدبلوماسية، والتكنولوجيا.
تقف إسرائيل كحصن للقيم الأمريكية في واحدة من أكثر مناطق العالم تقلبًا، حيث تتميز بمجتمع مدني قوي، ومؤسسات ديمقراطية، وانتخابات حرة وعادلة، وقضاء مستقل، والتزام بحرية التعبير والصحافة. وهذه السمات مكنت إسرائيل من الازدهار كمحرك للابتكار، ومركز للتطوير التكنولوجي، وواحدة من أكثر الكيانات السياسية ديناميكية في العالم. وكونها الديمقراطية الليبرالية الوحيدة في الشرق الأوسط، تشارك إسرائيل الولايات المتحدة التزامها بسيادة القانون، والأسواق الحرة، والابتكار التكنولوجي، مما يشكل الأساس المتين للرابطة الحيوية بين البلدين والتي تُعد الأساس لعلاقتهما الاستراتيجية.
التحديات المشتركة والأهمية الاستراتيجية لإسرائيل: في ظل الشرق الأوسط الذي أمسى استقراره أضعف في السنوات الأخيرة، وفي عصر يتسم بشراسة المنافسة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة ومحور القوى المناهضة\الرجعيّة (revisionist) الذي يقوده الحزب الشيوعي الصيني وإيران وكوريا الشمالية وروسيا، يصبح من الأهمية بمكان أن تعطي الولايات المتحدة الأولوية لتعزيز تحالفها مع إسرائيل بوصفها الشريك الأكثر قدرة عسكريًا وتكنولوجيًا في المنطقة.
تشمل تلك التهديدات المشتركة الرئيسة سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية و سعيها للهيمنة الإقليمية، والتطرف الإسلامي السني والإرهاب، و منافسة القوى العظمى للصين وروسيا في الشرق الأوسط، والحاجة إلى الحفاظ على حرية التجارة والاستقرار. ومواجهة هذه التحديات المشتركة تتطلب شراكة قوية ومتعددة الأوجه بين الولايات المتحدة وإسرائيل، تشمل المجالات العسكرية، والاستخباراتية، والدبلوماسية، والاقتصادية.
لقد برزت إسرائيل كشريك أمني لا يستغنى عنه، ومحرك للتكامل الاقتصادي الإقليمي والتنمية، وركيزة أساسية في كيان إقليمي مؤيد لأمريكا يعزز الاستقرار ويضمّن عزل إيران وغيرها من القوى المتطرفة. كذلك يجعل الموقع الاستراتيجي لإسرائيل وقدراتها العسكرية المتقدمة وخبرتها في مجال الاستخبارات منها حليفًا لايعوّض للولايات المتحدة في مواجهة التهديدات الإقليمية وحماية المصالح الأمريكية.
في الوقت ذاته، تواجه إسرائيل تهديدات مستمرة من إيران ووكلائها الإرهابيين، وحملات لتقويض الشرعيّة هي في مضمونها قائمة على معاداة السامية، وجهود من قبل بكين وموسكو لتقويض مكانتها وشركاتها العالمية. وفيما يخص للولايات المتحدة، فإن تعزيز قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها، وإظهار القدرة والقوة، وتوسيع علاقاتها الإقليمية سيخدمها كبديل أقل كلفة في تعزيز ردعها ودعم مصالحها الوطنية الحيوية.
لذا ينبغي على الولايات المتحدة السعي لتعميق علاقاتها مع إسرائيل من خلال الاستفادة من القدرات الفريدة لإسرائيل في المجالات التالية:
إسرائيل كمُنتِج أمني : تسعى الولايات المتحدة إلى ترسيخ مكانة إسرائيل كـ”مُنتِج أمني” من خلال سياسة ضمان تفوقها العسكري على الخصوم المحتملين، وذلك المعروف بالتفوق العسكري النوعي (QME) من خلال توفير تكنولوجيا متطورة، ومعلومات استخباراتية حساسة، وتعاون عميق في الصناعات الدفاعية. تستند هذه الاستثمارات إلى فهم أن إسرائيل تمثل الشريك الأكثر موثوقية وقدرة لأمريكا في الشرق الأوسط لتعزيز قيمها وأهدافها الاستراتيجية.
إسرائيل كمحرك اقتصادي : تتمتع إسرائيل بديناميكية اقتصادية قادرة على تحفيز تنمية أوسع في الشرق الأوسط من خلال مبادرات مثل الاتفاقيات الإبراهيميّة ومجموعة I2U2 (الهند، إسرائيل، الإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة) التي تشكلت في 2021 لتعميق التعاون التكنولوجي في القطاع الخاص. كذلك فإنّ دمج إسرائيل بشكل فاعل في اقتصاديات وديناميات الشرق الأوسط سيؤسس لمنطقة ازدهار حقيقية تتيح لشركاء الولايات المتحدة الآخرين في المنطقة الاستفادة من نجاح إسرائيل.
في الوقت ذاته، ينبغي تسخير إمكانات إسرائيل وجعلها رابطًا حيويًا يُسهل حركة السلع والخدمات بكفاءة أكبر بين الأسواق الأفريقية والآسيوية والأوروبية. ونتيجة لذلك، يشكل تعزيز الازدهار الإسرائيلي مصلحة وفرصة للولايات المتحدة.
إسرائيل كشريك مُكافئ : يجب أن يكون التطور المنطقي للعلاقة الخاصة التي استمرت لعقود بين واشنطن والقدس هو التحول إلى شراكة حقيقية ومتكافئة. ولضمان ألا تتحول الخلافات السياسية إلى ابتزاز، لا بد من نقل هذه الشراكة إلى أساس أكثر توازناً، حيث يُحفظ الدعم الأمني من تقلبات السياسات المحلية والعالمية المتغيرة، وحيث تقدم الولايات المتحدة التزامات حقيقية ولا يمكن التراجع عنها تجاه أمن إسرائيل.
تهدف هذه الاستراتيجية إلى تقديم إطار عمل لتعزيز الشراكة الأمريكية-الإسرائيلية واستغلال إمكاناتها لتعزيز المصالح الأمريكية الأساسية في الشرق الأوسط وما بعده.
الخلفية التاريخية للعلاقة الأمريكية-الإسرائيلية
على مدى السبعين عامًا الماضية، شكلت الولايات المتحدة وإسرائيل رابطة فريدة وقوية، متجذرة في القيم المشتركة، وفي التهديدات المشتركة، وفي المصالح المتبادلة. لقد تطورت هذه العلاقة الخاصة بشكل كبير منذ تأسيس إسرائيل في عام 1948.
عصر ما قبل الدولة تحت الإمبراطورية العثمانية، كانت المنطقة المعروفة بـ”فلسطين” مقسمة عبر عدة وحدات إدارية تمتد من دمشق إلى شبه جزيرة سيناء. على الرغم من قيام الأمريكيين بالحج الديني إلى الأراضي المقدسة خلال القرن التاسع عشر، إلا أن المنطقة لم تكن محل اهتمام كبير لحكومة الولايات المتحدة. لم تبدأ الولايات المتحدة بلعب دور أكثر نشاطًا في المنطقة إلا بعد أن كلفت عصبة الأمم الإمبراطورية البريطانية بالانتداب على فلسطين بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى.
عندما خلف هاري ترومان فرانكلين روزفلت كرئيس في عام 1945، ورث سياسة غير واضحة تجاه المصالح الوطنية اليهودية في الانتداب البريطاني على فلسطين: لقد طمأن روزفلت القادة اليهود بدعم الولايات المتحدة لدولة يهودية، بينما أكد للقادة العرب في المنطقة أنه لن يتم اتخاذ أي إجراء يضر بمصالحهم. بعد هزيمة هتلر ونهاية الحرب العالمية الثانية، ومع التكشّف الكامل للمحرقة وتشريد مئات الآلاف من اليهود في مخيمات النازحين عبر أوروبا، دعم ترومان خطة للسيادة اليهودية في فلسطين. و رغم معارضة وزارة الخارجية، التي فضلت دعم المصالح العربية وخشيت أن تتحالف الدولة اليهودية مع السوفييت، دعم ترومان خطة الأمم المتحدة للتقسيم في عام 1947 لتقسيم الانتداب إلى دولتين يهودية وعربية، ثم اعترف بدولة إسرائيل عندما أعلنت استقلالها في مايو 1948.
تأسيس إسرائيل وسنواتها الأولى رغم الدعم السياسي الأمريكي للاستقلال، لم يتم تقديم المساعدات المالية والعسكرية. وخلال حرب الاستقلال (1948-1949)، حافظت الولايات المتحدة على حظر تسليح، مما دفع قوات الدفاع الإسرائيلية المشكلة حديثًا للحصول على الأسلحة والذخائر والطائرات المقاتلة وغيرها عبر وكلاء كتشيكوسلوفاكيا (التي كانت بالفعل وكيلًا سوفيتيًا) وبوسائل سرية.
وخلال إدارتي ترومان وأيزنهاور، طغت العلاقات مع إسرائيل على المنافسة الجيوسياسية الناشئة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، فلقد كانت وزارة الخارجية تعتقد أن احتضان الدولة اليهودية سيدفع الدول العربية – ومواردها من الطاقة ذات الأهمية المتزايدة وسكانها الأكثر كثافة – إلى المعسكر السوفيتي ومع ذلك، كان السوفييت قد بدأوا بالفعل في إحراز تقدم قوي مع مصر تحت قيادة جمال عبد الناصر، الدولة العربية الأكثر قوة آنذاك وقائد الحركة القومية العربية.وقد هزم الجيش المصري المدرب والمجهز والمُشرَف عليه من السوفييت هزيمة حاسمة من قبل إسرائيل في ستة أيام في عام 1967، ومرة أخرى في عام 1973.
علاقة جديدة أقنعت القدرة العسكرية الإسرائيلية الولايات المتحدة بإعادة تقييم علاقتها بالدولة اليهودية حيث بدأت واشنطن في رؤية القدس (في النص) كاستثمار يعوّل عليه في الشرق الأوسط. عندما أطاحت الجمهورية الإسلامية بالشاه المتحالف مع الولايات المتحدة في إيران في عام 1979 وبدأت حربًا ضد العراق، نظرت الولايات المتحدة إلى إسرائيل كقوة موازنة في المنطقة.
وعقدت مصر (1979) والأردن (1994)، الأعداء التاريخيين لإسرائيل، السلام مع الدولة اليهودية جزئيًا لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، ولكن أيضًا للابتعاد عن القوى الثورية في المنطقة، وخاصة الجمهورية الإسلامية في إيران. خلال إدارة ريغان، بدأت الولايات المتحدة وإسرائيل في تدوين علاقتهما الأمنية الجديدة، بدءًا من اتفاقية التعاون الاستراتيجي لعام 1981، تلتها عمليات عسكرية مشتركة وتخزين معدات عسكرية أمريكية في إسرائيل. وفي عام 1989، منحت الولايات المتحدة إسرائيل مكانة “حليف رئيسي خارج الناتو”. مع تحول التهديدات لأمن إسرائيل من دول تقليدية إلى منظمات إرهابية متعددة ومختلفة التوجهات، أصبحت رواية إسرائيل كديفيد الصغير الذي ينجو في منطقة مليئة بعديد من أمثال جالوت أكثر تعقيدًا. في الثمانينيات، أضافت مغامرات إسرائيل في لبنان لاستئصال منظمة التحرير الفلسطينية، أو جهودها لقمع الانتفاضة الأولى داخل حدودها، نقطة ضغط سياسية جديدة للعلاقة الأمريكية-الإسرائيلية بالنسبة للجمهور الأمريكي.
تعميق العلاقات شهد بداية القرن الحادي والعشرين مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل لعدو مشترك جديد: الإرهاب الإسلامي الأصولي؛ في هذا العصر الجديد من التهديدات من أعداء متنوعين(غير متماثلي التوجهات) طورت الولايات المتحدة وإسرائيل علاقات عسكرية واستخباراتية أقوى، بالإضافة إلى مخاطر الإرهاب الإسلامي السني، يهدد التهديد المتزايد من إيران – التي تطلق على الولايات المتحدة “الشيطان الأكبر” وعلى إسرائيل “الشيطان الأصغر” – ووكلائها كلاً من إسرائيل والولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وكدليل على قوة مصالحهما وأمنهما المشتركين، وقّعت الولايات المتحدة وإسرائيل في عام 2016 مذكرة التفاهم الثالثة لمدة عشر سنوات، والتي توفر 38 مليار دولار كمساعدات أمنية لإسرائيل، أضف إلى ذلك، تلتزم الولايات المتحدة قانونيًا بضمان أن تحافظ إسرائيل على تفوق عسكري نوعي على الجيوش المجاورة.
مع استمرار تعزيز الشراكة الأمنية والدفاعية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، تزداد أيضًا مكانة إسرائيل في المنطقة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى سياسات ومبادرات أمريكية أخرى،ففي السنوات الأخيرة، نقلت الولايات المتحدة أخيرًا سفارتها إلى القدس تقديرًا لكون المدينة عاصمة إسرائيل، واعترفت بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، وأعادت تخصيص إسرائيل من القيادة الأوروبية إلى القيادة المركزية في هيكلية القيادة القتالية لوزارة الدفاع، من بين تدابير أخرى.
وآخرًا، وهو الحدث البارز، فإن توقيع الاتفاقيات الإبراهيميّة في عام 2020 بين الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين، وانضم إليها لاحقًا المغرب والسودان، مهدت الطريق لعصر جديد في الشرق الأوسط.
العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل اليوم : تشكل القيم والمبادئ المشتركة التي تتقاسمها الدولتان الأساس الذي تنبع منه كل جوانب العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بما في ذلك العلاقات الوثيقة بين جيشي البلدين، والروابط القوية بين قطاعاتهما التكنولوجية وجامعاتهما وغيرها الكثير. يعكس الدعم الحزبي الواسع من الكونغرس للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية هذه الروابط، وقد عمل الكونغرس مع السلطة التنفيذية على ترسيخ العلاقة الثنائية من خلال العديد من الاتفاقيات، بما في ذلك:
– مذكرة التفاهم الخاصة بالمساعدة الأمنية (MOU) توفر مذكرة التفاهم (MOU) التي تستمر لمدة عشر سنوات تمويلًا عسكريًا خارجيّاً لإسرائيل لشراء المعدات والخدمات العسكرية الأمريكية. وقد تم توقيع مذكرة التفاهم الحالية في عام 2016 ودخلت حيز التنفيذ في السنة المالية 2019، وتُخصص 3.8 مليار دولار سنويًا، يتم تخصيص 500 مليون منها لتمويل برامج تعاونية لتطوير وإنتاج وشراء قدرات دفاعيّة ضد الصواريخ الموجهة والقذائف والصواريخ غير الموجهة. أمّا آليّة الشراء الخارجي( Off-Shore Procurement ) التي كانت تسمح لإسرائيل بإنفاق 26.4٪ من التمويل العسكري الأجنبي (Foreign Military Financing-FMF) السنوي على المشتريات المحلية(من الداخل الإسرائيلي) فإنه يتم التخلص منها تدريجيّاً على مدار عقد من الزمن.
– مؤسسة العلوم الثنائية الأمريكية الإسرائيلية (BSF) أُنشئت في عام 1972 لتعزيز العلاقات الأكاديمية والتعاون العلمي من خلال تمويل مشاريع البحث التعاوني، وقد منحت مؤسسة العلوم الثنائية أكثر من مليار دولار لدعم أكثر من 5500 مشروع بحثي، حيث تم تمويلها من صندوق استثماري مشترك بين البلدين.
– مؤسسة الأبحاث والتطوير الصناعي الثنائية الإسرائيلية الأمريكية (BIRD) تأسست في عام 1977 لتحفيز وتعزيز دعم التعاون في البحث والتطوير الصناعي بين الشركات الأمريكية والإسرائيلية في مجموعة من قطاعات التكنولوجيا. استثمرت المؤسسة في أكثر من 1000 مشروع وأنتجت مبيعات تجاوزت 10 مليارات دولار.
– صندوق الأبحاث والتطوير الزراعي الثنائي الإسرائيلي الأمريكي (BARD) تأسس في عام 1977، وهو برنامج تمويل تنافسي يدعم الأبحاث الزراعية التعاونية في مجالات ذات اهتمام مشترك للبلدين. استثمر الصندوق أكثر من 315 مليون دولار في أكثر من 1300 مشروع بحثي.
– اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل (FTA) دخلت اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل حيز التنفيذ في عام 1985، وكانت أول اتفاقية تجارة حرة للولايات المتحدة. ساعدت الاتفاقية في توسيع التجارة والاستثمار بين البلدين من خلال تقليل الحواجز وتعزيز الشفافية. وخلال أول 30 عامًا من الاتفاقية، زادت الصادرات الأمريكية إلى إسرائيل بأكثر من 450٪ بينما زادت الواردات بنسبة تقارب 1000٪.
– الإعلان المشترك حول الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل وقع هذا الإعلان في عام 2022 بالتزامن مع الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس دولة إسرائيل، ويؤكد الإعلان على “الوشائج المتينة” بين البلدين التي تستند إلى “أساس متين من القيم المشتركة والمصالح المشتركة والصداقة الحقيقية” والتزام الولايات المتحدة “الدائم” بأمن إسرائيل.
– الحوار الاستراتيجي رفيع المستوى بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول التكنولوجيا أطلق في عام 2022، يهدف الحوار إلى إقامة شراكة بين البلدين في “التكنولوجيا هامة الشأن والناشئة” لـ “معالجة التحديات العالمية وحماية وتعزيز أنظمة الابتكار لدينا بما يتماشى مع مصالحنا الوطنية ومبادئنا الديمقراطية وحقوق الإنسان”.
وتم إنشاء أربع مجموعات عمل: حول تغير المناخ، والاستعداد للجوائح، والذكاء الاصطناعي، وأنظمة التكنولوجيا الموثوقة.
– مذكرة التفاهم بشأن تمديد الامتيازات المتبادلة وبرنامج الإعفاء من التأشيرات (MOU للمعاملة بالمثل) وُقعت في عام 2023، تعمل هذه المذكرة على تقريب إسرائيل من الامتثال لمتطلبات الحكومة الأمريكية لبرنامج الإعفاء من التأشيرات.
المشهد الحالي والتهديدات المشتركة
تواجه الولايات المتحدة وإسرائيل مجموعة جديدة من التحديات والتهديدات والفرص التي أتاحتها التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، وبالأخص الاتفاقيات الإبراهيميّة التاريخية والحرب التي اندلعت بعد السابع من أكتوبر في غزة ولبنان.
الشرق الأوسط اليوم : فقد كان توقيع الاتفاقيات الإبراهيميّة يمثل أهم إعادة توجيه للشرق الأوسط منذ اتفاقيات أوسلو، حيث أشار تطبيع العلاقات إلى بداية عصر جديد في المنطقة. نشأت هذه الاتفاقيات من عدة عوامل؛ منها السياسات الداخلية ومنها الالتزامات الدولية، بدأت الولايات المتحدة في عهد إدارة أوباما إعادة توجيه واضحة لاهتمامها ومواردها بعيدًا عن الشرق الأوسط. في الوقت نفسه، أدت جهود تلك الإدارة للتقارب مع إيران من خلال الاتفاق النووي إلى تعزيز النظام في طهران، مما شكل تهديدًا متزايدًا للدول العربية في المنطقة وكذلك لإسرائيل. في غياب وجود أمريكي مضمون، زادت هذه الدول من توجهها نحو إسرائيل كأقوى فاعل قادر على ردع النظام الإسلامي.
وقد واجهت عملية التقارب بين إسرائيل والدول العربية السنية المعتدلة، كجزء من جهد إقليمي تقوده الولايات المتحدة، معارضة مستمرة من “محور المقاومة” الذي يتألف من إيران وقواتها الوكيلة. تشمل أهداف هذا المحور تدمير إسرائيل وتقليص النفوذ الأمريكي في المنطقة وخارجها، وهو ما سُعي إليه من خلال هجمات صاروخية لحزب الله من لبنان، وتعطيل الحوثيين للتجارة البحرية في مضيق باب المندب قبالة سواحل اليمن، ومهاجمة سفن البحرية الأمريكية، وبالأخص غزو حماس لجنوب إسرائيل في 7 أكتوبر 2023. لقد أخرت تلك الهجمات الجدول الزمني الاتفاقيات الإبراهيميّة، لكنها لم تقوض بشكل أساسي الأجندة الإقليمية لهذه الاتفاقيات.
حرب السابع من أكتوبر : منذ غزو حماس لإسرائيل في 7 أكتوبر 2023 والمجزرة التي تلت ذلك، وقفت واشنطن عمومًا إلى جانب إسرائيل، مما يعكس الدعم الواسع لإسرائيل بين الجمهور الأمريكي. شملت أهداف إسرائيل الحربية – ردًا على الهجوم – تحرير الرهائن الإسرائيليين والأمريكيين وغيرهم، والقضاء على حماس كتهديد عسكري. وأعربت الولايات المتحدة عن دعمها لهذه الأهداف، علاوة على ذلك، بما أن إسرائيل تتصدى لحزب الله في لبنان، فإنه من مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين إعادة تأسيس الأمن على الحدود الشمالية لإسرائيل وتقليص قدرات وكيل إيران بشكل كبير.
كما أن الانهيار المفاجئ لنظام الأسد في سوريا في ديسمبر 2024 وجه ضربة لقدرة النظام الإيراني على إعادة تزويد حزب الله ودعمه، ومحاولات إقامة موطئ قدم للحرس الثوري الإيراني في جنوب سوريا لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل.
أضف،أن تحالف أمني تقوده الولايات المتحدة قد لعب دورًا رئيساً في إحباط هجوم صاروخي إيراني هائل على إسرائيل في 13 أبريل 2024، وهو أكبر هجوم مشترك بالصواريخ والطائرات المسيرة في التاريخ. وقد أظهر ذلك الهجوم مرة أخرى أن السبب الجذري لعدم الاستقرار الإقليمي-و هو سعي إيران للهيمنة الإقليمية- يستمر دون كلل أو ملل، بما في ذلك مسعى طهران لامتلاك أسلحة نووية.
إنّ حل مسألة الحكم الفلسطيني في يهودا والسامرة وكذلك غزة يعد قضية مهمة لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين، لكنه في النهاية ثانوي بالنسبة للنوايا الخبيثة لإيران، التي تستخدم القضية الفلسطينية عبر الدعم المالي والعسكري المباشر لحماس وغيرها من المنظمات الإرهابية. فإقامة دولة فلسطينية يمكن أن تكون قاعدة لطموحات إيران لن يكون في مصلحة الولايات المتحدة أو إسرائيل أو حلفائها وشركائها الإقليميين.
التهديدات المشتركة : تواجه الولايات المتحدة وإسرائيل تهديدات مشتركة إقليمية وعالمية. إذ يتعاون تحالف واسع من الخصوم-الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، على وجه الخصوص- لتحدي القوة العالمية الأمريكية. وتسعى الجمهورية الإسلامية، من جانبها، إلى تدمير إسرائيل، وتدعم موسكو في حرب روسيا ضد أوكرانيا، وتتجاوز العقوبات الأمريكية من خلال بيع النفط إلى الصين، التي تحتاجه بكين وهي تحاول توسيع نطاق نفوذها في بحر الصين الجنوبي.
لا تهدد الدول القومية الولايات المتحدة وإسرائيل فحسب ففي الشرق الأوسط، توّلد الدول الفاشلة والمناطق غير المحكومة-غالبًا بسبب التدخل الإيراني- عدم الاستقرار وتوفر ملاذًا للمنظمات الإرهابية وغيرها من القوى المزعزعة للاستقرار.رغم من أن مصالح إسرائيل الأمنية إقليمية إلى حد كبير بينما مصالح أمريكا عالمية النطاق، فإن كلا البلدين متحالفان في مواجهة التهديدات والتحديات المشتركة.
إيران: تعد الجمهورية الإسلامية الإيرانية التهديد المشترك الرئيسي الذي يواجه كلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل. تسعى الجمهورية الإسلامية، وهي نظام توسعي، إلى السيطرة على الشرق الأوسط ومعه الإمدادات الرئيسية للنفط الخام العالمي وممرات الشحن الدولية. لتحقيق أهدافها، كما تسعى إلى إزاحة الولايات المتحدة من المنطقة وتدمير إسرائيل. وتنفذ أهدافها من خلال شبكتها من المنظمات الوكيلة التي أزعجت استقرار الدول المضيفة لها أو كما في حالة حزب الله في لبنان، وحماس في قطاع غزة، والحوثيين في اليمن، استبدلت الحكومات المحلية جزئيًا أو كليًا.
ومن خلال وكلائها-وكذلك الحرس الثوري الإيراني- هاجمت إيران مرارًا وألحقت الأذى بالأمريكيين والإسرائيليين في المنطقة. بالطبع، أكبر تهديد تشكله الجمهورية الإسلامية على إسرائيل والولايات المتحدة هو برنامجها النووي وطموحها لتصبح قوة نووية. وفقًا لذلك، تشترك الولايات المتحدة وإسرائيل في هدف مشترك: ردع الجمهورية الإسلامية عن أهدافها.
المنافسة بين القوى العظمى : بالطبع، إيران ليست وحدها في تهديد الولايات المتحدة والعالم الغربي برغبة سيطرتها على الشرق الأوسط. إذ تشكل الصين وروسيا تهديدات استراتيجية للولايات المتحدة، فمصالحهما الإقليمية تهدد موقع أمريكا في الشرق الأوسط، إذ منذ الحرب الأهلية السورية، لعبت روسيا دورًا حاسماً في المنطقة.
وبرغم أن موسكو فقدت موطئ قدمها في الشام عندما سقط نظام الأسد في ديسمبر 2024، تظل روسيا حاضرة إقليميّاُ من خلال علاقتها العسكرية الواسعة مع إيران؛ أصبحت طهران مُوردًا رئيسيًا للطائرات بدون طيار وغيرها من الذخائر في حرب موسكو في أوكرانيا، بينما قدمت روسيا لإيران أنظمة دفاع جوي متقدمة، بما في ذلك نظام S-300.
كما يشكل الحزب الشيوعي الصيني تهديدًا مشتركًا للولايات المتحدة وإسرائيل، إذ يسعى الحزب الشيوعي الصيني إلى استبدال الولايات المتحدة كالقوة العظمى الوحيدة في العالم ويستخدم علاقاته المتزايدة مع موسكو وطهران لتحقيق هذا الهدف.وغالباً الجمهورية الإسلامية كوكيل للحزب الشيوعي الصيني في الشرق الأوسط، مزعزعة استقرار المنطقة ومهاجمة حلفاء الولايات المتحدة القدامى، بما في ذلك إسرائيل.
ولقد شهدت حرب السابع من أكتوبر بين إسرائيل ووكلاء إيران مثل حماس تحولًا مهمًا من بكين، حيث اتخذت الدعاية الصينية نبرة معادية لإسرائيل بشكل ملحوظ، وهناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن بكين ساعدت أيضًا في توجيه الأسلحة والمعدات إلى الجماعات الإرهابية التي تهاجم إسرائيل. كما أن استخدام الصين للتجسس الصناعي كأداة للسياسة الدولية يهدد الصحة الاقتصادية لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
ردًا على ذلك، يجب على واشنطن والقدس تأمين وتعزيز سلاسل التوريد الخاصة بهما والعمل على منع القطاعات الرئيسية من الاعتماد على الصين. إذ يظهر أن بكين تخلت عن نهجها “الصداقة للجميع” في الشرق الأوسط، وأصبحت بشكل متزايد قوة مزعزعة للاستقرار في المنطقة.
الإرهاب والدول الفاشلة: يظل التهديد من المنظمات الإرهابية التي تسعى إلى خلق أو استغلال الفراغات السياسية في الشرق الأوسط. وبصفتها أكبر راعٍ للإرهاب، لا يضاهي إيران أحد في إثارة الاضطرابات الإقليمية.
أمّا العراق ولبنان وسوريا واليمن هي دول فاشلة أو على وشك الفشل إلى حد كبير بسبب نفوذ النظام ودعمه منظمات مثل حزب الله والحوثيين وغيرهم، و تضيف سيطرة هيئة تحرير الشام على سوريا دولة فاشلة أخرى تديرها جماعة جهادية سنية إلى حدود إسرائيل.
تواجه مصر والأردن حاليًا تحديات داخلية وخارجية كبيرة تهدد استقرار كلا البلدين، بما أن السلطة تكره الفراغ، فإن احتمال حدوث عدم استقرار إقليمي متزايد وواسع النطاق – إذا استسلمت إحدى الدولتين أو كلتاهما للضغوط الداخلية والخارجية – آثار أمنية كبيرة على إسرائيل، نظرًا لأن حدود الدولة اليهودية الأطول هي مع مصر والأردن.
عموماً، يشكل الإرهاب وعدم الاستقرار الإقليمي تهديدات كبيرة للتجارة العالمية وأسواق الطاقة العالمية، فجماعة الحوثي تعطل جماعة الحوثي الإرهابية ممرات الشحن إلى البحر الأحمر وقناة السويس من قاعدة عملياتهم في غرب اليمن، كما أن القرصنة في خليج عدن وقبالة القرن الأفريقي تعطل ممرات الشحن إلى البحر الأحمر وقناة السويس، مما يتسبب في صدمات سعريّة Price shocks واضطراب في الأسواق الغربية.
عصر جديد للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل
إن الولايات المتحدة ودولة إسرائيل أمستا في بيئة استراتيجية جديدة، إذ تطورت المشاهد السياسية والأمنية والاقتصادية والتكنولوجية في واشنطن والقدس والشرق الأوسط بشكل كبير منذ بدء مذكرات التفاهم الأمنية العشرية المتكررة الآن.
من الجدير بالملاحظة نمو إنفاق إسرائيل على القدرات الدفاعية ، من عام 2000 إلى 2022، فلقد زادت إسرائيل إنفاقها الدفاعي من 8.5 مليار دولار إلى أكثر من 23.4 مليار دولار.
ولكنّ وباعتبار النمو الكبير في اقتصاد إسرائيل خلال نفس الفترة فإن الإنفاق الدفاعي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي انخفض من 6.3 في المئة إلى 4.5 في المئة، وفي أعقاب حرب السابع من أكتوبر، وافقت الحكومة الإسرائيلية على زيادة كبيرة لعام 2025 إلى 32.4 مليار دولار، وهو ما يمثل 6.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. يأتي الإنفاق المتزايد في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل إلى تعزيز صناعتها المحلية وتقليل الاعتماد على الموردين الأجانب، بما في ذلك الولايات المتحدة. وسيخلق تخفيف قيود التصدير ( من الولايات المتحدة) فرصة نمو إضافية لصناعة الدفاع الإسرائيلية.
يجب أن تتكيف العلاقة الثنائية لتعكس هذه التغييرات وغيرها في قدرات وأهداف وأولويات وتهديدات كلا البلدين. لذا، ومع انتهاء مذكرة التفاهم الحالية في السنة المالية 2028، يجب على الولايات المتحدة اغتنام هذه الفرصة لتوسيع وتعميق العلاقة، وفي النهاية إعادة معايرتها لتعكس بشكل أفضل وتعزز المزايا التنافسية والأولويات الاستراتيجية لكل بلد.
لهذا الغرض، يجب على الولايات المتحدة، بمرور الوقت، تحويل العلاقة مع إسرائيل من علاقة تقوم أساسًا على تقديم المساعدات إلى شراكة متساوية مع التزام ثابت لا يتزعزع بأمنها، من خلال الانتقال إلى ما هو أبعد من الإطار الحالي للتمويل العسكري الأجنبي ونحو شراكة أكثر استدامة، هكذا يمكن للولايات المتحدة وإسرائيل عزل علاقاتهما الاستراتيجية عن الضغوط السياسية وتشكيل رابطة قوية تستند إلى الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة.
ويصبح هذا الانتقال ممكنًا بل ناجحًا بفضل الديناميكية الاقتصادية لإسرائيل، التي يمكن أنّ تمكنّها من التطور والاندماج الإقليمي عبر توظيف الاقتصاد الإسرائيلي المبتكر وموارد طاقته وبراعته التكنولوجية، وهذا يمكّن للولايات المتحدة تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وبالتالي تقليل جاذبية الأيديولوجيات المتطرفة وتعزيز منطقة أكثر ازدهارًا.
مذكرة تفاهم ( 2029-2047 )
التكامل الإقليمي: ستعمل الولايات المتحدة على تحسين موقع إسرائيل الإقليمي من خلال تعزيز الأطر الأمنية والاقتصادية والتجارية القائمة أو إنشاء أطر جديدة في المنطقة في مسعاً لتحقيق شراكة استراتيجية، مما سيؤدي إلى تقليص البيئة المهددة لإسرائيل في الوقت الذي يعزز فيه دمج الدولة اليهودية مع محيطها الإقليمي، مما يعزز أمنها ونفوذها وقدراتها على التأثير في الشرق الأوسط.
البنية الأمنية – الدفاعيّة الإقليمية؛مستندة إلى تاريخ طويل من المبادرات الأمنية الجماعية في الشرق الأوسط، بما في ذلك التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط (2017) والدفاع الجوي للشرق الأوسط (2022)، ستقيم الولايات المتحدة وتدعم إطارًا أمنيًا إقليميًا دائمًا جديدًا بالتعاون مع حلفائها وشركائها لمواجهة التهديدات والأعداء المشتركين. إذ ستقدم الولايات المتحدة تعاونًا أمنيًا ثنائيًا ومتعدد الأطراف ومكثفًا – بما يشمل مبيعات الأسلحة والتدريبات العسكرية المشتركة وتخزين الذخائر – للدول المشاركة، مع التزامها المستمر بضمان التفوق العسكري النوعي لإسرائيل.
اتفاقيات التجارة الثنائية والمتعددة الأطراف، ستعمل الولايات المتحدة على تعزيز العلاقات التجارية الجديدة مع إسرائيل وشركائها الإقليميين. ستبدأ الولايات المتحدة وإسرائيل مفاوضات لتحديث اتفاقية التجارة الحرة المبرمة عام 1985 وتحديث العلاقة الاقتصادية الثنائية بما يتماشى مع القرن الحادي والعشرين. بالإضافة إلى ذلك، ستنجز الولايات المتحدة اتفاقيات التجارة الحرة مع الدول الأعضاء في الاتفاقيات الإبراهيميّة وستسعى لتعزيز اتفاقية تجارية إقليمية تعاونية بين دول الاتفاقيات ودول أخرى قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ستشكل هذه الاتفاقيات كتلة اقتصادية تسهل التجارة الحرة بين إسرائيل والدول العربية.
التعاون في مجال الطاقة في الشرق الأوسط، ستشجع الولايات المتحدة التعاون الإقليمي في قطاع الطاقة لتعزيز المشاريع في شرق البحر المتوسط وفي إطار الاتفاقيات الإبراهيميّة. يتضمن ذلك الاستثمار في البنية التحتية للغاز الطبيعي والكهرباء وغيرها من المجالات بالتعاون مع إسرائيل ودول شريكة. ستساعد الولايات المتحدة في التوسط في اتفاقيات الطاقة بين إسرائيل وقبرص ومصر والأردن ولبنان وتركيا في شرق البحر المتوسط، كما ستدعم الجهود الرامية إلى ربط بنية الطاقة والتجارة وفرص التمويل بين إسرائيل والبحرين والإمارات العربية المتحدة والدول المستقبلية في مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي والإسلامي.
المبادرات الإضافية؛ يمكن للشرق الأوسط أن يكون نقطة عبور رئيسية لتدفق السلع والطاقة بين الأسواق الاقتصادية الآسيوية والأوروبية. كلما زاد تنسيق إسرائيل وشركاؤها العرب في خدمة هذا الدور الهام، أصبح موقع إسرائيل الإقليمي أكثر أمانًا. لذلك، ستواصل الولايات المتحدة تعزيز المبادرات الإقليمية والمتعددة الأطراف، وخاصة مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، ومبادرة I2U2، وبرنامج التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط (MERC).
التعاون الأمني: مع التشديد على أهمية العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل مع مراعاة أولوياتها الوطنية والمصالح والقدرات لكل منهما، إذ ستستمر الولايات المتحدة في تقديم المساعدات العسكرية الخارجية (FMF) والتمويل للبرامج التعاونية.
إلا أنّ الولايات المتحدة – مع تقدم عملية التكامل الإقليمي- ستحول تمويل المساعدات العسكرية الخارجية (FMF) تدريجيًا نحو البرامج التعاونية ثم إلى برنامج مبيعات الأسلحة الأجنبية (FMS) حتى عام 2047. ويصل إجمالي حزمة السلع والخدمات العسكرية الأمريكية الممولة أو المباعة والاستثمار في البرامج التعاونية إلى 4.5 مليار دولار سنويًا.
المساعدات العسكرية الخارجية؛ سترفع الولايات المتحدة التزامها بتمويل المساعدات العسكرية الخارجية (FMF) ليصل إلى 4 مليارات دولار سنويًا بدءًا من السنة المالية 2029. وسيتم استخدام هذه الموارد لتمويل شراء السلع والخدمات العسكرية الأمريكية داخل الولايات المتحدة. اعتبارًا من السنة المالية 2032، ستنخفض المساعدات المنحة بمقدار 250 مليون دولار سنويًا حتى تنتهي في السنة المالية 2047.
البرامج التعاونية؛ ستواصل الولايات المتحدة وإسرائيل دعم البرامج التعاونية القائمة. وبرغم أن هذا التعاون تم استخدامه تاريخيًا لتطوير وإنتاج وشراء أنظمة الدفاع الصاروخي والدفاع ضد الصواريخ الموجّهة والمقذوفات لتلبية احتياجات الأمن والدفاع لكلا البلدين، إلا أنه لا يقتصر على هذه القدرات ولا يمنع إسرائيل من طلب تمويل إضافي لأنظمة الدفاع الصاروخي من الولايات المتحدة طوال مدة هذه الاتفاقية.
أمّا في السنة المالية 2032، سترتفع هذه النفقات تلقائيًا بمقدار 250 مليون دولار سنويًا حتى تصل إلى 2.25 مليار دولار في السنة المالية 2038، حيث يظل هذا المستوى مستقرًا حتى السنة المالية 2047. سيعزز هذا الاستثمار المتزايد في البرامج التعاونية التشغيل البيني والتوافق بين القوات المسلحة والصناعات الدفاعية لكلا البلدين.
مبيعات الأسلحة الأجنبية؛ سيبدأ تقليص الحساب السنوي لمساعدات المنحة ضمن برنامج (التمويل العسكري الأجنبي) FMF في السنة المالية 2032 و يثبّت الحد الأقصى للإنفاق في البرامج المشتركة في السنة المالية 2039 بالتزامن مع بدء تصدير الأسلحة والخدمات العسكريّة (FMS) لإسرائيل. واعتبارًا من السنة المالية 2039، ستبدأ إسرائيل في زيادة إنفاقها على مبيعات الأسلحة الأجنبية بمقدار 250 مليون دولار سنويًا حتى يصل إلى 2.25 مليار دولار في السنة المالية 2047.
العناصر التكميلية للشراكة الجديدة بين الولايات المتحدة وإسرائيل
فضلاً عن عناصر التعاون الأمني والتكامل الإقليمي في الشراكة الجديدة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ينبغي للعلاقة أن تأخذ في الاعتبار فرصًا إضافية للتطور والنمو. فيما يلي قائمة موسعة، ولكن غير شاملة، بالبنود التنفيذية، وإعلانات النوايا، والأهداف السياسية الأخرى التي يجب على الولايات المتحدة البدء بالتعاون خلالها مع إسرائيل – أو عند لزوم الحاجة، بشكل أحادي- لجعل العلاقة الثنائية تتماشى بشكل أكبر مع وضع الشراكة المتساوية.
التعاون الدفاعي والأمني : مع انتهاء علاقة التمويل العسكري الأجنبي (FMF)، ينبغي أن تتطور الشراكة الثنائية الجديدة نحو زيادة التعاون في مجالات الدفاع، والاستخبارات ومكافحة الإرهاب، والأمن السيبراني، وغيرها من القطاعات.
الدفاع: تضمن الولايات المتحدة أمن إسرائيل جزئيًا من خلال الحفاظ على التفوق العسكري النوعي ( qualitative military edge QME) لإسرائيل في الشرق الأوسط، وهو أمر استراتيجي حتمي يضمن تفوق إسرائيل التكنولوجي والتكتيكي والعملياتي على أي خصوم محتملين. ولذا يجب على الولايات المتحدة الاستمرار في إعطاء الأولوية لنقل التكنولوجيا الدفاعية المتقدمة، وبرامج التطوير المشتركة، والمساعدة الأمنية المستدامة لضمان الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل ودعم المكونات الحيوية الأخرى لاستراتيجية الدفاع الثنائية. ولهذا يجب على الولايات المتحدة وإسرائيل:
– تعزيز التطوير التكنولوجي المشترك : ينبغي للبلدين تعزيز التعاون في تطوير التقنيات الدفاعية المتطورة، بما في ذلك أنظمة الدفاع الصاروخي، وتدابير الأمن السيبراني، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. يشمل ذلك الدعم المستمر والتطوير المشترك لأنظمة القبة الحديدية، ودرع داود، وصواريخ أرو، وأنظمة الدفاع الجوي والصاروخي من الجيل التالي.
– تعزيز الدعم اللوجستي والعملياتي: ينبغي للبلدين تعزيز أطر الدعم اللوجستي لضمان نشر القوات والموارد بسرعة وكفاءة. يشمل ذلك تخزين المعدات العسكرية الأمريكية في إسرائيل مسبقًا، وتخطيط الصيانة واللوجستيات المشتركة، وتبسيط عمليات سلسلة التوريد.
– توسيع التدريب العسكري والمناورات : ينبغي للبلدين توسيع نطاق وتكرار المناورات العسكرية المشتركة، بما في ذلك العمليات الجوية والبرية والبحرية. ستعزز هذه المناورات من تزامن الأفعال العسكريّة والجاهزية والكفاءة التكتيكية، مع التركيز بشكل خاص على تدريبات الدفاع الجوي المشتركة، وتدريب العمليات الخاصة، وتمارين الأمن السيبراني.
– تسهيل الشراء الدفاعي : ينبغي للبلدين تسهيل العمليات المبسطة للتجارة الدفاعية والمشتريات لضمان حصول إسرائيل على أحدث التقنيات الدفاعية الأمريكية في الوقت المناسب للتمويل أو البيع. يشمل ذلك تسريع الموافقات على المواد والخدمات الدفاعية الحيوية واستكشاف سبل جديدة لاتفاقيات الإنتاج المشترك والترخيص.
الاستخبارات ومكافحة الإرهاب : إسرائيل هي شريك رئيسي للولايات المتحدة في مجال الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط. ففي العمليات داخل إيران وضد حزب الله في لبنان، أظهرت إسرائيل مستوى غير مسبوق من المعلومات الاستخباراتية حول أعداء الدولة اليهودية والولايات المتحدة على حد سواء.
أمّا دورها في الشرق الأوسط بعد تجاوز مرحلة أحداث 7 أكتوبر وتوابعها ، فستواصل فيه إسرائيل دورها كمنتج ومزود رئيس للمعلومات الاستخباراتية وعمليات مكافحة الإرهاب في المنطقة، لذا على على الولايات المتحدة توسيع الجهود التعاونية الحالية. ويجب على الولايات المتحدة وإسرائيل:
– تعزيز تبادل الاستخبارات والتدابير المشتركة لمكافحة الإرهاب : ينبغي للبلدين تعزيز الأطر الحالية لتحسين تبادل البيانات في الوقت الحقيقي والتنسيق العملياتي. ينبغي توسيع الجهود التعاونية-بما في ذلك التدريبات المشتركة-لاستهداف الجماعات التي تشكل تهديدًا لكلي البلدين، مثل حزب الله وحماس، و تهديد المنطقة من خلال استغلالها لفراغات غياب السلطة والمناطق غير المحكومة.
– إنشاء مجموعة عمل إقليمية : ينبغي للبلدين إنشاء مجموعة عمل إقليمية لتسهيل القدرات عبر الدول الحليفة والشريكة في المنطقة، سواء على المستوى الثنائي أو من خلال إطار الاتفاقيات الإبراهيميّة، متعدد الأطراف.
الأمن السيبراني: إسرائيل هي قوة عظمى في مجال الأمن السيبراني الدفاعي والتجاري. تمتلك نظامًا بيئيًا سيبرانيًا عالمي المستوى، ومستويات عالية من الاستثمار من القطاعين العسكري والخاص، وهي نشطة في الجبهات الهجومية والدفاعية ضد الأعداء الإقليميين. ففي عصر الأنظمة الذاتية، والذكاء الاصطناعي، وغيرها من قدرات المجال الرقمي، إسرائيل في وضع يمكنها من أن تكون قوة رائدة. ستكون الشراكة القوية في مجال الأمن السيبراني وحرب المعلومات بين إسرائيل والولايات المتحدة بمثابة قوة تضاعف قوة أمريكا في الشرق الأوسط وعلى مستوى العالم.
(ولذا) يجب على الولايات المتحدة وإسرائيل:
– تطوير شراكة شاملة في الأمن السيبراني : ينبغي للبلدين تطوير شراكة في الأمن السيبراني تستهدف التهديدات الناشئة في الفضاء السيبراني، بما في ذلك مبادرات البحث المشترك، وتبادل المعلومات الاستخباراتية حول التهديدات، والدفاع التعاوني ضد الهجمات السيبرانية التي تستهدف البنية التحتية الحيوية.
ولأجل هذا يجب على الكونغرس الأمريكي:
تمرير قانون تعزيز التعاون السيبراني بين الولايات المتحدة وإسرائيل (S. 1193 و H.R. 2659) : يوجه هذا القانون وزارة الأمن الداخلي لإنشاء برنامج منح يدعم البحث والتطوير في مجال الأمن السيبراني، وكذلك إشهار وتسويق التكنولوجيا السيبرانية.
حرب المعلومات : تواجه الولايات المتحدة وإسرائيل حرب معلومات مكثفة ومذّخرة من خصومهما المشتركين، سواء كانوا دولًا (مثل الصين وإيران وروسيا) أو جهات غير حكومية (مثل المنظمات غير الحكومية المعادية للغرب وإسرائيل، والإعلام الأجنبي، والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي)، والتي تهدف إلى خلق أو مفاقمة الاضطرابات الداخلية، وبث الشكوك في استراتيجية كل بلد تجاه هذه الجهات، وخلق فجوات بين واشنطن وتل أبيب. ويجب على الولايات المتحدة وإسرائيل الانتقال من الدفاع إلى الهجوم ضد هذه الجهات الخبيثة. يجب على الولايات المتحدة:
– رفع مستوى حرب المعلومات إلى أولوية قوميّة للأمن الوطني : يجب على الحكومة الأمريكية رفع مستوى حرب المعلومات إلى أولوية أمنية وطنية وتوحيد تبادل المعلومات المتعلقة بالأمن القومي (الرسمية وغير الرسمية) بآليّة تربط التقارير\المعلومات مع مكتب مستشار الأمن القومي، أو مدير الاستخبارات الوطنية، أو أي منصب مماثل. وهنا يجب على الولايات المتحدة تشجيع إسرائيل على المعاملة بالمثل لتمكين التعاون بينهم كشركاء. وهنا يجب على الولايات المتحدة وإسرائيل:
– إنشاء مجموعة عمل لحرب المعلومات : ينبغي على البلدين إنشاء مجموعة عمل لتنسيق أولويات الاتصال المتعلقة بالأمن القومي المشترك، بما في ذلك حملات التوعية العامة التعاونية لتحصين الجمهور من التضليل، والتحريض، والروايات المعادية للسامية. وعلى تلك الجهود التركيز على تثقيف الجمهور حول التهديدات التكنولوجية الأجنبية على الحقوق الفردية، والملكية الفكرية، والأمن القومي من خلال التطبيقات والتقنيات الأخرى.
– تجنيد القطاع الخاص: يجب على حكومتي الولايات المتحدة وإسرائيل الاستفادة من القدرات القوية للقطاع الخاص في كلا البلدين في مجالات التسويق، والدعاية، والعلاقات العامة، والتكنولوجيا. كما يجب تجنيد المتخصصين المهرة والمحترفين في مجال التكنولوجيا في أدوار قيادية. يجب على واشنطن والقدس تشجيع إنشاء كيان ممول من القطاع الخاص بشكل ثنائي لتعزيز الحملات الإعلاميّة الاستراتيجية للحكومات.
الاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا : شكلت اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل FTA عام 1985 أساسًا لما يقرب من أربعة عقود من تقليل الحواجز لتوسيع التجارة والاستثمار.
اليوم، يبلغ حجم التجارة الثنائية السنوية حوالي 50 مليار دولار من السلع والخدمات. تفاخر إسرائيل بثالث عشر أعلى ناتج محلي إجمالي للفرد في العالم بحوالي 58،270 دولارًا، وقد نما اقتصادها بمعدل 6.5% في عام 2022. ورغم أكثر من عام من الحرب، فإن إسرائيل مستعدة لتظل محركًا اقتصاديًا رائدًا في المنطقة.
التعاون الاقتصادي والتجارة: إسرائيل هي قوة اقتصادية في الشرق الأوسط. وستعمل الولايات المتحدة على تعزيز علاقتها الاقتصادية مع الدولة اليهودية وتعزيز الجهود لدمج إسرائيل بشكل أكبر مع اقتصادات المنطقة. ولذا يجب على الولايات المتحدة وإسرائيل:
-إنشاء حوار اقتصادي رفيع المستوى؛ إنشاء منصة جديدة رفيعة المستوى تأسيساً على اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل FTA ، وعلى غرار الحوارات الثنائية الأخرى (مثل الحوار الاقتصادي رفيع المستوى بين الولايات المتحدة والمكسيك والحوار الاقتصادي رفيع المستوى بين الولايات المتحدة وغواتيمالا). يجب على الولايات المتحدة:
– تخفيف ضوابط التصدير : يجب على الولايات المتحدة تغيير قيود التصدير الثنائية للسماح بتعاون أكبر في التقنيات الدفاعية أو التجارية أو ذات الاستخدام المزدوج وللحد من تكرار الجهود. يجب على وزارة التجارة مراجعة إرشادات الرقابة الحالية وتحديثها في ضوء الشراكة الاستراتيجية الجديدة.
التكنولوجيا والطاقة : ستكون القوى الرائدة في القرن الحادي والعشرين هي تلك القادرة على تسخير التقنيات المتقدمة اليوم. بينما تعتبر الولايات المتحدة وإسرائيل قوتين تكنولوجيتين بحد ذاتهما، فإن الجهود المشتركة ضرورية لمواجهة تحديات هذا القرن في مجالات الأمن القومي (بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، والسيطرة على الحدود، والطائرات بدون طيار، ومواجهة الأسلحة منخفضة التكلفة، والاستجابة للصدمات-Trauma response)، وضمان الأمن الغذائي، وزيادة كفاءة استخدام المياه، وغيرها. في سبيل ذلك يجب على الولايات المتحدة وإسرائيل:
– تعزيز وتوسيع المبادرات التعاونية الثنائية : ينبغي للبلدين تعزيز وتوسيع العديد من المبادرات الثنائية، بما في ذلك BSF، وBIRD، وBARD. كما يجب إزالة أي قيود جغرافية-بما في ذلك تلك المتعلقة بخط الهدنة لعام 1948.
– التعاون في التقنيات التجارية الحيوية : ينبغي للبلدين تعميق التعاون والتطوير المشترك للتقنيات المستقبلية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمية، وتقنيات الفضاء، والطب الدقيق، والتقارب البيولوجي، والتنقل الذكي، وتكنولوجيا الصحراء، وغيرها لضمان الريادة العالمية في هذه المجالات.
العقوبات والتدابير الاقتصادية : ستستفيد الولايات المتحدة من قوة اقتصادها ومكانتها المالية لفرض تكاليف باهظة على الخصوم المشتركين ومنعهم من الموارد اللازمة لتغذية سلوكياتهم الخبيثة. وستعمل هذه التدابير على مواجهة استراتيجية إيران “حلقة النار” التي تهدف إلى تطويق الدولة اليهودية بمجموعة من الوكلاء الإرهابيين. ولأجل هذا يجب على الولايات المتحدة:
– إعادة العقوبات على إيران : يجب على الولايات المتحدة استعادة ضغط العقوبات على صادرات الطاقة الإيرانية، بشكل أحادي وبالتعاون مع الشركاء، لمنع النظام من الموارد اللازمة لتطوير ودعم واستدامة المنظمات الإرهابية. كما يجب على الولايات المتحدة فرض عقوبات ثانوية على الدول والشركات الخاصة المتورطة في بيع موارد الطاقة الإيرانية.
– حث الحلفاء على فرض عقوبات على الأذرع الإرهابية الإيرانية: يجب على الولايات المتحدة الضغط على الدول الشريكة، خاصة في أوروبا، لتصنيف الحرس الثوري الإيراني وشركة ماهان للطيران كمنظمات إرهابية وفرض عقوبات عليها وفقًا لذلك.
– فرض عقوبات انتقامية على المحكمة الجنائية الدولية : يجب على الولايات المتحدة فرض عقوبات على الشخصيات الرئيسة في المحكمة الجنائية الدولية (ICC) لردعهم عن بدء ملاحقات غير قانونية ضد الأفراد الأمريكيين والإسرائيليين في المستقبل ومحاسبتهم على ذلك في الماضي. كم يجب على الإدارة الحالية التأكد من أن أي تغيير في نظام العقوبات ( على المحكمة الجنائيّة) مشروط بامتثال المحكمة الجنائية الدولية لشروط النظام وليس بناءً على التغييرات في السياسات الداخلية.
الدبلوماسية : بعد التغييرات في سياسة الحكومة الأمريكية التي تتماشى بشكل أوثق مع الواقع “على الأرض”-مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بمرتفعات الجولان كأراضٍ سيادية لإسرائيل-يجب على الولايات المتحدة الانتقال من موقف دفاعي رد فعلي إلى موقف هجومي استباقي في التعامل مع المجتمع الدولي في القضايا المتعلقة بإسرائيل. ستستخدم الولايات المتحدة نفوذها الدبلوماسي في العلاقات الثنائية وفي المنتديات متعددة الأطراف المناسبة لتعزيز المصالح المشتركة بين واشنطن وتل أبيب، وعزل الخصوم المشتركين وفرض تكاليف عليهم. وبالمثل، وستحشد الولايات المتحدة الشركاء والحلفاء الهامين-خاصة في أوروبا والخليج- وتضغط عليهم لتبني تدابير مماثلة . وهنا يجب على الولايات المتحدة:
– الضغط على الدول الشريكة للاعتراف بالقدس كعاصمة إسرائيل : يجب على الولايات المتحدة الضغط على الدول الشريكة لتتبعها في الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل سفاراتها إلى هناك.
– دعم متطلبات الأمن الإسرائيلي في غزة : في أي سيناريو “ما بعد الحرب” في قطاع غزة، ستضمن الولايات المتحدة تلبية متطلبات الأمن الإسرائيلي، بما في ذلك ألا تلعب حماس وغيرها من الجماعات الإرهابية أي دور حكومي، وأن تكون هناك بنية أمنية قوية تمنع غزة من تشكيل تهديد لإسرائيل مرة أخرى.
– الإصرار على المساءلة النووية الإيرانية: يجب على الولايات المتحدة الإصرار على المساءلة الكاملة والعواقب على البرنامج النووي الإيراني في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومع الدول الأعضاء الرئيسية.
– توسيع آليات العقوبات الحالية ضد المنظمات الإرهابية: يجب على الولايات المتحدة توسيع تفويض لجنة الأمم المتحدة 1267، التي لديها حاليًا سلطة فرض عقوبات على الأفراد والكيانات المرتبطة بتنظيم القاعدة وداعش، لتشمل الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران، مثل حزب الله وحماس، والسعي لإدراج هذه الجماعات تحت السلطات الموسعة.
الدعم السياسي : تقدم الولايات المتحدة تشريعات وتدابير تنفيذية تعزز مجالات الاهتمام المشترك. ولذا يجب على الولايات المتحدة:
– جعل المساعدات الفلسطينية مشروطة: يجب على الولايات المتحدة ربط مساعداتها للفلسطينيين بتنفيذ برامج قوية للتخلص من التطرف و القوى الداعيّة للانفصال في الأراضي الفلسطينية و للتراجع عن عقود من الدعاية المعادية للسامية وإسرائيل، بما في ذلك ضمان خلو المدارس أو مؤسسات التعليم العالي من المواد الدراسية المعادية للسامية، كإنكار وجود أو شرعية دولة إسرائيل.
– ملاحقة عناصر حماس : ملاحقة الأفراد الناجين من حماس، بما في ذلك أولئك الموجودين خارج غزة، جنائيًا بسبب أفعالهم في 7 أكتوبر وما تلاها وغيرها من الهجمات الإرهابية التي نفذتها الجماعة على مر السنين، والتي أدت إلى مقتل واختطاف مواطنين أمريكيين وإسرائيليين. يجب على الولايات المتحدة ترتيب تسليمهم إلى الولايات المتحدة أو إسرائيل لمواجهة العدالة بسبب جرائمهم.
– إلغاء تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (UNRWA) : يجب على الولايات المتحدة والدول الشريكة إنهاء دعمها لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (UNRWA) التي تعاني من عيوب قاتلة، وإعادة توجيه جميع المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني من خلال منظمات غير ملوثة بالمعاداة للسامية أو دعم الإرهاب. يجب على الإدارة الحالية التأكد من سحب المساعدات الأمريكية بشكل دائم من الوكالة.
الخلاصة
إن التحدي الأكبر للأمن القومي للولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين يتمثل في صعود الصين المتنامي وسلوكها العدواني تحت حكم الحزب الشيوعي الصيني. سيتعين – بإضطراد -استخدام مختلف أدوات العمل الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي والعسكري في منطقة الهندو-باسيفيك لمواجهة هذا التهديد.
وبالتالي، من أجل الحفاظ على المصالح الوطنية الأمريكية وتعزيزها حول العالم، ستحتاج واشنطن إلى الاعتماد بشكل أكبر على الحلفاء الإقليميين والتحالفات.
تُعد إسرائيل أهم حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ورغم ذلك، بالنظر إلى المشهد الاستراتيجي الجديد في المنطقة، ينبغي رفع مستوى العلاقة مع إسرائيل لتصبح شريكًا استراتيجيًا لما فيه مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة والشرق الأوسط بأكمله. مما يتطلب تحويل العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل وتغيير البنية الإقليمية الراهنة من خلال تعزيز بنى أمنية وتجارية جديدة. سيمكن هذا التغيير إسرائيل من الانتقال من موقع المستفيد من التمويل العسكري الأمريكي إلى موقع الشريك الأمني والاستراتيجي الكامل.
الاقتراحات الواردة في هذا التقرير الخاص، رغم أنها ليست شاملة، تصف الأهداف والوسائل والآليات المختلفة التي يمكن من خلالها لهذه الشراكة أن تحقق فوائد استراتيجية أكبر لكلا البلدين. إذا تم اتباع هذه التوصيات، يمكن أن تسهم في تحقيق شرق أوسط يعزز المصالح الوطنية للولايات المتحدة من خلال دعم حلفائها، وعلى رأسهم إسرائيل، وإضعاف أعدائها، وإيجاد فرص أكبر للأمن والرخاء للجميع.
معهد كاثرين وشيلبي كولوم ديفيس للأمن القومي والسياسة الخارجية في مؤسسة هيريتيج \ The Kathryn and Shelby Cullom Davis Institute for National Security and Foreign Policy at The Heritage Foundation