إرنست بلوخ : مديح الغضب و بؤس الكراهيّة

51 عدد المطالعات
6 دقائق من القراءة

سؤال: الكراهية ظاهرة، حقيقة نواجهها – بشكل مباشر أو غير مباشر – كل يوم. قبل كل شيء، أفكر في تلك الكراهية الجماعيّة التي يمكن للمرء أن يستغلها سياسياً، و يتلاعب بها. في حديثنا، أنا مهتم بشكل خاص بكيفية تقيميك للكراهية العنصرية و الكراهية الطبقية. فالدوافع مختلفة و لكن الحصيلة – عند النظر إلى النتائج – هي نفسها: هلاك الناس؟

بلوخ: في المقام الأول ، الكراهية ليست ميزة محببة. إذ تجعل المرء غاضبًا وأعمى. إنها تشوه الوجه ، حتى عندما تكون نابعة من حق. و مع ذلك فهناك اختلافات جلية الوضوح بين الكراهية الطبقية و الكراهية العنصرية في المضمون و المُخاطب.فبينما في الأنواع المكبوتة من الكراهية ، مثل الكراهية العنصرية وكراهية الأجانب – xenophobia ، يتم التنفيس فائض من العنف ، الذي لا يشكك أبدًا في أسبابه و خلفياته الخاصة ، فإن للكراهية الطبقية – منذ زمن سبارتاكوس – أصل في القمع و الاستغلال.
إذ على المرء أن يفرّق بشكل جلي ما بين القول “اليهود هم محنتنا” أو “العمال الأجانب هم بليتنا” و ما بين القراءات في رأس مال ماركس حول الطابع الضد إنساني للرأسمالية .
في القرن الثامن عشر ، منذ وقت آدم سميث ، و قبل ذلك ، في القرنين الخامس عشر و السادس عشر ، عندما حرر رجل الأعمال نفسه من النقابات ، أطلق العنان لقوى الإنتاج ؛ فكانت هناك الثورة الفرنسية ، و التنوير ، و الموسوعة – Encyclopédie كل هذا ، حتى أن تصنيف الحرية لم يظهر إلا من خلال التحرر من قيود النظام الاقتصادي. و بهذا المعنى ، فإن الماركسية تحكم على التطور الرأسمالي حتى حوالي عام 1800 باعتباره تقدميًا إلى حد ما (و هذا أمر حير دائمًا المحافظين و الرجعيين). و مع ذلك ، ظلت الرأسمالية تقدمية فقط حتى تعاضمت التناقضات لدرجة أن المواطن- citoyen عاد إلى نظام الإقطاع القديم.

الكراهية الآتية من الأسفل [ الجماهير]، عندما تبرز، تُحرّض و تستثار من من هم في الأعلى . و أولئك الذين يكرهون لعبوا دوراً رئيساً في هذا لأنهم هم من كرهوا أنفسهم : كرهوا الرجل العادي ( the little man) ، و العبد ، و المضطهدين – خاصة عندما ثاروا – تمامًا كما كان الإرهاب الأبيض [ نسبة للعنصريين البيض ] يضاهي – إن لم يتجاوز – الإرهاب الأحمر [ نسبة للماركسيين] ، و هي مبالغة لا يمكن تشبيهها إلا بالعقاب المفرط للص الخشب الفقير على المشنقة.
تنبع الكراهية العنصرية وكراهية الأجانب من بلادة الإنسان التقليدي \المحافظ ، و افتقاره للتبصر المنطقي في الحقائق ،مما يدفعه للتهليل و الانضمام إلى الكراهيّة من اليمين أو من أعلى [ الهرم الاجتماعي ] ، والتي تعبر عن نفسها فيما بعد في التشهير و الغباء و تخلص إلى في معاداة عامة للشيوعية. هذه العداء للشيوعية ، مثل معاداة السامية ، التي تأتي أيضًا في الغالب من اليمين والتي تسعى دائمًا إلى التعميم – “الروسي” ، “الألماني” ، “الفرنسي” ، “اليهودي” – هذا العداء للشيوعية هو أحد من أبشع أشكال التعميم دون مراعاة للفروق. يزدهر التعميم حيث يسود الغباء.
لكن يبدو لي أن القضية الرئيسية هي السؤال: هل الكراهية في المواقف الثورية المحددة وسيلة يمكن السماح بها ، لو مؤقتاً؟
تلك الكراهية التي تتحول بسرعة عندما يُصرح بها (أي من الأعلى) حيث يختفي ما هو ( و الذين يستثير نفوسهم العمى و السخط الخالص) فاسد وما هو إجرامي – هذه الكراهية يجب أن تتحول إلى غضب.
فللغضب مظهر مختلف جداً عن الكراهيّة . إذ يتحدث المرء عن غضب مبرر و لكن ليس عن كره مبرر .
الغضب هو ذلك العنصر الذي أدى إلى اقتحام و تدمير الباستيل ، و الاستيلاء على قلعة زوينج أوري و رفض ويليام تيل الانحناء أمام قبعة جيسلر.
الغضب هو السخط على الاعتداء على كرامة الإنسان ، هاماتنا المرفوعة. الكراهية شاحبة، مكتئبة، جبانة، قابلة للاشتعال، بها أبخرة بيرة (والتي يمكن أن تصبح شديدة الانفجار).
الغضب مفتوح ، لا يجعل المرء شاحبًا بل أحمر. عندما يكون النازي البائس البورجوازي الصغير حذرًا في كراهيته ، فإن الغضب يلقي بالحذر في مهب الريح.
الغضب ليس انتهازي نفعي .إذ يمكن و على حين غرة أن يمضي ضد مصلحته الخاصة . لهذا السبب لديه تقارب مع الأشياء العليا.

– إذن أنت تنظر إلى الكراهية الطبقية على أنها غضب أكثر من كونها كراهية؟

كل ثورة يصاحبها غضب. الغضب لا يجعل المرء أعمى بالضرورة. كما أنه يقظ و مؤقتة.
على النقيض من ذلك ، تستمر الكراهية في التفاقم. عندما ينفجر الغضب ، فإنّ لدى المرء وقت للتفكير – بلا غضب أو تحيّز\تعصب – sine ira cum studio ( باللاتينية) – وإلا فسيتلوّث بهذه الكراهية المُفسدة بسهولة.
الكراهية هي شعور عفن عندما لا يتحول إلى صفاء الغضب. تفقد الكراهية وضوح مآربها و لهذا السبب لا تنتمي إلى الصراع الطبقي. إذ أنها لم تجد المرسل إليه الحقيق.

المصدرverso books
شارك الموضوع، أظهر دعمك